للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ لهم سابقة ومنزلة رفيعة، والقدم نتيجة ما قدّموا من الخير، وبنتيجة صدق قولهم وعملهم، أما الكفار فقالوا بعد إنذارهم: ﴿قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ﴾ قاله كفار مكة لمّا عجزوا عن معارضة القرآن، ويقوله الكفار في كل زمن، وفي حق كثير من الأنبياء، والكثيرون يرفضون مسبقا فكرة الوحي الإلهي إلى بشر، ويزعمون استحالتها، كما يزعمون أن الرسول أذهل الناس بشخصيته وطلاقته لا غير، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر في القرآن ودراسته وتقويمه من حيث محتواه، قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء ٨٢/ ٤].

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ (٣)

٣ - ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ استئناف الخطاب لإظهار بطلان تعجبهم من نزول الوحي على بشر، والمعنى أنّ من خلق السماوات والأرض ينزّل الوحي أيضا على من يشاء من عباده ﴿فِي سِتَّةِ أَيّامٍ﴾ قال الألوسي: الخلق في ستة أوقات، أو ستة مراحل زمنية، لأن اليوم في اللغة هو مطلق الوقت ﴿ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كناية - باللغة التي يفهمها البشر - عن مقام السيطرة العلوية الثابتة الراسخة و ﴿ثُمَّ﴾ هنا ليست للتراخي الزمني، بل للبعد المعنوي، فالزمن في هذا المقام لا معنى له، وليست هنالك حالة ولا هيئة لم تكن لله ثم كانت، فهو سبحانه منزّه عن الحدوث، وعن الزمان والمكان ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ يدبّر ملكوت السماوات والأرض وشؤون خلقه، ومن ذلك أن يخلقهم على الفطرة ويبعث إليهم الرسل ﴿ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ المبني على الحكمة الباهرة، وذلك عند كون المأذون له بالشفاعة من المصطفين الأخيار، وتشريفا له، والمشفوع له ممّن يليق بالشفاعة، أي يكون تعالى راضيا عنه بتوبته وإيمانه وعمله الصالح، لقوله: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى﴾ [الأنبياء ٢٨/ ٢١]، وقوله: ﴿قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً﴾ [الزمر ٤٤/ ٣٩]،

<<  <  ج: ص:  >  >>