﴿بدء نزول القرآن الكريم في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: ﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (١) وضمير الغائب في ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ يعود للقرآن، فالقرآن يقال للآية وللسورة وللمصحف كلّه، والمعروف أن القرآن نزل منجّما أي مفرّقا على مدى ثلاثة وعشرين عاما هي بعثة النبي ﷺ، قال تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة ٧٥/ ٥٦]،
والقدر والقدر أيضا بمعنى واحد: ﴿وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ (٢)، فهي الليلة التي قدّر فيها بدء نزول القرآن الكريم، خاتم الرسالات السماوية لبني آدم، وليلة القدر أيضا بمعنى ليلة العظمة والشرف بالنظر لعظمة الرسالة الجديدة وتشريف الإنسان بها،
ويدلّ على ذلك قوله: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (٣) أي هي خير من ألف شهر ليس فيها ليلية قدر، والألف شهر بمعنى التكثير وليس بالضرورة ألف بالمفهوم البشري للزمن، أمّا إن كان المقصود من الشهر:
الإشهار - كما يقولون في مصر عن الشهر العقاري - فإن إشهار القرآن على البشرية خير من ألف إشهار آخر غير مشتمل على القرآن،
فقد تنزّلت الملائكة وفيها جبريل ﵇ بالوحي بإذن ربّهم، ليكون القرآن شاملا كلّ أمر يحتاجه الإنسان لدنياه وآخرته: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ (٤)
ففي ليلة القدر يتبدّد ظلام الجهل ويحلّ السلام الروحي في نفوس المؤمنين ويطهّرهم من وساوس السوء: ﴿سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)﴾.