﴿ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ تأخير الكلام عن آدم إلى ما بعد الإشارة إلى خلق الجنس البشري دلالة أنّ آدم بهذا المعنى رمز للجنس البشري بأكمله، فالمراد به نوع الإنسان، والسجود ليس لشخص آدم وإنما لجنس البشر، أما مغزى سجود الملائكة فلأن الله تعالى جعل العلم أشرف من العبادة (البيضاوي)، وقد علّم آدم الأسماء كلّها في حين جهلتها الملائكة، وأما استكبار إبليس ومعصيته فكناية عن عجز الإنسان عن إخضاع روح الشر تماما، وعجزه عن إبطال خواطر السوء من أفكاره، انظر شرح آية [البقرة ٣٤/ ٢].
١٢ - (قال) تعالى ﴿ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ حسد إبليس آدم على تكريمه بسجود الملائكة له، وظنّ أنه أفضل من آدم بالخلق، في حين لم يقدّر أفضلية الإنسان بالعلم والمعرفة بعد أن تعلّم الأسماء كلّها [البقرة ٣١/ ٢]، وقول الشيطان: أنا خير منه، شائع في دنيا الناس يقولها كثير منهم، ويتجلّى بهذا القول مرض الإعجاب بالنفس، والاستكبار والتكبر، ورفع النفس إلى درجة لا تستحقها، وينتج عنه الحقد على الآخرين، ويصيب العقل بالغفلة.
١٣ - ﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْها﴾ وهو هبوطه من المنزلة التي كان عليها في الملكوت الأعلى ﴿فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾ لأن أهل السماوات متواضعون خاشعون ﴿فَاخْرُجْ﴾ من الجنة ﴿إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ الذليلين، فجعله تعالى على نقيض ما أراد من التكبر، والآية تبين أن الاستكبار سبب للمعصية، وسيرد بيان ذلك بتفصيل في الآيات (١٤٦، ٨٨، ٧٦، ٧٥، ٤٨، ٤٠، ٣٦، ١٣)،