﴿وفي حال انحازت بعض زوجات المسلمين إلى الكفار فمن واجب المجتمع المسلم تعويض الأزواج ما أنفقوا من مهور الزوجات اللواتي تخلّين عنهم: ﴿وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (١١)
والآيتان (١٠ - ١١) نزلتا بعد صلح الحديبية لأنه كان من شروط الصلح أن يعيد المسلمون إلى قريش من يلجأ إليهم من أغرار قريش ومواليها، ولكن النبي ﷺ رأى أن ذلك الشرط لا ينطبق على النساء المتزوجات كونهنّ بالغات عاقلات.
بعد امتحان المؤمنات المهاجرات، الآية ١٠، والتأكد من إخلاصهنّ بحسب الظاهر، فلم يبق سوى أن يبايعن الرسول، أو الإمام من بعده: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ كما كانت عادة وأد البنات في الجاهلية ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ أي لا يسعين إلى البهتان عمدا ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاِسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (١٢) لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.
وكما بدأت السورة بالنهي عن موالاة أعداء الإسلام الناشطين في الصدّ عنه، فهي تختم بالنهي عن موالاة اليهود خاصة، إذ غضب الله عليهم لإنكارهم الآخرة: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ والدليل في آية [المجادلة ١٤/ ٥٨] أن اليهود هم المقصودون بهذا الخطاب، فلشدّة ماديتهم وتكالبهم على الدنيا أنكروا الآخرة: ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ مثلما يئس الكفار من بعث الأموات: ﴿كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣)﴾،
وفي إنكار اليهود للآخرة نقرأ أيضا قوله تعالى: ﴿إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ﴾ [الدخان ٣٤/ ٤٤ - ٣٥].