الجبّ البئر غير المبنية من داخلها بالحجارة، وسمّي جبّا لأنه جبّ من الأرض أي قطع، والغيابة كل ما غيّب شيئا وستره فأصبح غائبا عن النظر، ولعلهم ألقوه في حفرة جانبية مظلمة من البئر يدخلها عادة من يدلي فيه لإخراج شيء وقع فيه أو لإصلاح خلل، أو أن الماء في عمق الجب لم يكن كافيا لإغراق يوسف في حين أن عمقه يبعده عن الأنظار فتكون غيابة الجب قعره لغيبوبته عن أعين الناظر، وإدخال أل التعريف على الجب دليل على أنه معروف لذا قال: ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ﴾ السيارة الجماعة الذين يسيرون في طريق السفر وهم غالبا ما يردون ذلك البئر في أسفارهم، ولذا كان طرح يوسف فيها أقرب إلى السلامة، لأن السيارة عندما يردون البئر يشاهدون يوسف ويخرجونه ويأخذونه معهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ والأولى ألاّ تفعلوا شيئا من القتل أو الطرح في أرض نائية، أما إن كان ولا بدّ، فاقتصروا على هذا القدر من الأذى.
﴿قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ وَإِنّا لَهُ لَناصِحُونَ﴾ (١١)
١١ - ﴿قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ﴾ بعد أن أضمروا المؤامرة على يوسف استدرجوا أباهم فخاطبوه متسائلين عن سبب عدم ائتمانه لهم عليه، بما يفيد أن يعقوب كان يخافهم عليه، وقد يكون أنهم سألوا أباهم قبل ذلك أن يخرج يوسف معهم فأبى ﴿وَإِنّا لَهُ لَناصِحُونَ﴾ زعموا أنهم حريصون عليه ولا يضمرون له سوى الخير.
١٣ - ﴿قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ أي لقلة صبر أبيه على مفارقته لشدة محبته له ﴿وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ﴾ وهو سبب آخر لامتناعه وتردده في إرساله مع إخوته، لما يعلمه من حسدهم له وقلة اكتراثهم به