نافية أي إنّ اليهود يعلّمون الناس السحر ويسندون ذلك إلى الملكين ببابل مع أنّه لم ينزل السحر على الملكين وإنّما اخترعاه من عند أنفسهما فكيف يعلّمونه الناس؟ (البيضاوي)، ﴿وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ يقولان إننا أو لو فتنة، وننصحك بعدم الكفر، ولعلهما يقولان ذلك لإيهام الناس بفضلهما وللمحافظة على حسن اعتقاد الناس بهما ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ ليس في الآية ما يدل على أن ما يتعلمونه مؤثّر بذاته لسبب غيبي أو خارق للعادة ﴿وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ إذا صادف أن أصيب أحدهم بضرر من عملهم فهو بإذن الله، أي يكون عائدا لسبب من الأسباب التي ربطت بها المسبّبات، فليس هنالك قوة غيبية وراء عملهم ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ﴾ الضرر ناتج عن تركهم العمل الجاد، ولجوئهم إلى الشعوذة لمحاولة الوصول إلى المبتغى ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ في الآية تحذير واضح من محاولة تغيير مجريات الأمور باتباع وسائل فوق طبيعية - في ذهن أصحابها على الأقل - وأن مثل هذه المحاولة تنفي نصيب صاحبها في الآخرة، روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال:«من أتى كاهنا أو عرّافا فصدّقه فقد كفر بما أنزل على محمد»، ﴿وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ كم هو بائس ما باعوا به أنفسهم، أي سيؤدي بهم إلى البؤس ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ الحقيقة، ولكنهم متعلقون بالأوهام.
١٠٣ - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ ببعثة النبي ﷺ ﴿وَاِتَّقَوْا﴾ الكفر والطغيان ﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ﴾ لكان خيرا لهم من محاولة أساليب السحر والشعوذة ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ العلم الصحيح، لكنهم يتّبعون الظنّ والخيال والعصبية، والآية التالية تحذّر المسلمين من تقليدهم ومن الوقوع في حبائلهم.