وإن تعجب أيها الرسول لطلبهم هذا: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ﴾ لأنّ أجدادهم سألوا موسى أكبر من ذلك السؤال، ﴿فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ بسبب تكبّرهم وتعنتهم ظنّوا أن أبصارهم يمكن أن تحيط بالله، سبحانه وتعالى عمّا يصفون علوّا كبيرا، أنظر آية [البقرة: ٢/ ٥٥]، ﴿ثُمَّ اِتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ معبودا، انظر آية [البقرة: ٢/ ٥١] ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ﴾ جاءتهم البينات كنزول الوحي على موسى، ونجاتهم من فرعون، وانفلاق البحر، وتظليل الغمام عليهم، ونزول المنّ والسلوى عليهم في سيناء ﴿فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ﴾ فلم يستأصلهم تعالى بل أعطاهم المزيد من فرص التوبة ﴿وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً﴾ وبهذا السلطان نصره تعالى على كفارهم بالرغم من عنادهم وتعنتهم ومشاقتهم موسى ﵇.
والمغزى أن ذرية أولئك المتعنتين يسيرون على خطى أجدادهم في الكفر ومشاقّة الرسل.
١٥٤ - ﴿وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ﴾ أي كان جبل طور سيناء شاهدا على ميثاقهم الذي قطعه نقباؤهم الذين اصطحبهم موسى إلى الطور ﴿وَقُلْنا لَهُمُ اُدْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً﴾ كما ورد في آية [البقرة: ٢/ ٥٨]، أي ادخلوا فلسطين دخول التقاة المتواضعين، كما دخل النبي ﷺ مكة وقت الفتح، ولا تدخلوها دخول الطغاة المتجبرين ﴿وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ لا تعتدوا وتنتهكوا شريعة يوم السبت، انظر آية [البقرة: ٢/ ٦٥]، ﴿وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ ميثاقا مؤكدا غاية التوكيد، وهو المذكور بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً .. ﴾. [البقرة: ٢/ ٨٣].