للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ (١٣٦)

١٣٦ - رغم بعث الرسل الذين أتوهم يقصّون عليهم آيات الله، وينذرونهم لقاء الآخرة، فإنهم استغرقوا في ممارسات الجاهلية مما سيلي وصفه، وفيه عودة إلى موضوع الآيات (١١٨ - ١٢١):

﴿وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ﴾ ممّا خلق - ومنه الذرية - ﴿مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً﴾ الكفار والمشركين جعلوا وكرّسوا لله تعالى نصيبا - فقط - من خلقه كنتاج الزرع والمواشي التي يخصصونها للتبرع، فيتصدقون بهذا النصيب - الجزء - للفقراء والمساكين، والنصيب الآخر ينفقونه على أوثانهم وكهنتهم وسدنة معابدهم ﴿فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ نتقرب لله بنصيبه فقط، حسب زعمهم، والباقي يتقربون به للشركاء المزعومين إذ قالوا: ﴿وَهذا لِشُرَكائِنا﴾ يتقربون به لمن يزعمون أنهم شركاء لله تعالى، كائنين ما كانوا، وإضافة الشركاء إليهم لأنهم اتّخذوها لأنفسهم ﴿فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ﴾ لا يكون له علاقة بالصدقات والمساكين، بل ينصرف إلى الكهنة والسدنة وصيانة الأوثان ومعابدها ﴿وَما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ﴾ لأن النصيب الذي يكرّسونه لله تعالى يضر بعقيدتهم إذ يعزز عندهم الاعتقاد بالشرك وبأنصاف الآلهة، أو بقوى وهمية، أو بوسطاء وهميين، فهو بالتالي يصل إلى هؤلاء الشركاء لجهة إفساد عقيدتهم ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ كم هو سيئ هذا الحكم الذي يخترع قدرات وهمية وشبه إلهية لمخلوقات لا حول لها ولا قوة، والمغزى غير مقتصر على سلوك المشركين في الجاهلية، بل فيه إشارة إلى سلوك المشركين في كل العصور كونهم يسبغون قدرات شبه إلهية على مخلوقات وأموات وأضرحة ومعبودات عاجزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>