فلا تكونوا كالصمّ البكم الذين لا يعقلون، المشار لهم آنفا ﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ أي ما في قلبه من الأماني، فيحول بين المرء وبين ما يتمناه قلبه من طول الأجل وأمنيات الدنيا، فالأجل يحول دون الأمل، والمعنى:
أن الموضوع ملحّ جدا لا يحتمل التأجيل والتسويف، فلتكن استجابتكم أيها المؤمنون، لله وللرسول قبل أن يحول الأجل بينكم وبينها، ولا تتكلوا على ما في قلوبكم من الأماني وتوقع طول البقاء، فذلك غير مؤكّد ﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فتحاسبون على مقدار استجابتكم.
٢٥ - ﴿وَاِتَّقُوا فِتْنَةً﴾ الفتنة الاختبار والامتحان بما يشق على المرء فعله أو تركه، أو قبوله أو إنكاره [البقرة ١٠٢/ ٢]، [التوبة ٤٩/ ٩]، [طه ٤٠/ ٢٠]، ومنها فتنة المال والأولاد [الأنفال ٢٨/ ٨]، والفتنة أيضا المحنة والمعاناة، والاضطهاد الديني [البقرة ١٩٣/ ٢، ١٩١]، [الأنفال ٣٩/ ٨]، وهي أيضا الإغراء والغواية والضلال [آل عمران ٧/ ٣]، وهي الشقاق والنزاع [التوبة ٤٨/ ٩]،
﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ بل الأتقياء أيضا ليسوا بمعزل عنها، فاتقوا الغواية والضلال، والشقاق والنزاع، وما يترتب عليها من المحن والمعاناة، ممّا لا يقع ضحيتها الكفار والظالمون فقط، فالأمّة بكاملها قد تصاب بالضعف والخذلان والانحلال، وقد تزول دولتها، أو يسيطر عليها الكفار، والخطاب استمرار لما قبله من وجوب الاستجابة لله وللرسول، وأنه تعالى يحول بين المرء وأمانيه ﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ لمخالفي أمره.
٢٦ - بعد أن أمرهم تعالى بطاعة الله وطاعة الرسول، وحذّرهم أنه يحول بين المرء وقلبه، ثم حذّرهم من الفتن، ذكّرهم ببعض نعمه عليهم ممّا قلب أوضاعهم من الضعف إلى القوة: ﴿وَاُذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ قليلي العدد في مكة والمدينة