أن تحريم الطيبات عليهم كناية عن وقوعهم تحت قهر الأمم وتشريدهم في الأرض، ومعاناتهم، بعد أن صدّوا عن سبيل الله كثيرا وقتلوا يحيى وتآمروا على قتل المسيح ﵉، كل ذلك من جملة غضبه تعالى عليهم، واللعنة التي حلّت بهم بسبب نقضهم الميثاق، وكفرهم، وقتلهم الأنبياء، وتفاخرهم بقتل المسيح ﵇.
وقد ورد موضوع التحريم أيضا بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنّا لَصادِقُونَ﴾ [الأنعام:
٦/ ١٤٦]، والذي يبدو من سياق هذه الآية أن التحريم المذكور في كتب اليهود فرضه الأحبار أنفسهم لأنهم كانوا ذوي نفوذ كبير على العوام، حتى أنّهم اتّخذوا لأنفسهم حق التشريع والتحليل والتحريم، واليهود يتّبعون أحبارهم فيما يدخلون على الكتب من أحكام وتشريعات حتى صارت عندهم بمنزلة الوحي، فالمغزى أنهمّ شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، وهو معنى قوله تعالى:
﴿حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ أي إنّها كانت حلالا في الأصل فحرّمها أحبارهم، وقوله: ﴿جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ﴾ فالجزاء من سنن الله في خلقه، ومن يسلك طريق الضلال يقع في عاقبة عمله، وبما أنه تعالى قد سنّ قوانين الكون بأكمله فهو ينسب التحريم، وما يترتب عليه من معاناة، إلى ذاته العليّة.
١٦١ - ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ لأن كتبهم المحرّفة تسمح لهم بأخذ الربا من الأغيار - أي غير اليهود - وتنهى عن أخذ الربا من اليهود (سفر تثنية الإشتراع ٢٣/ ٢٠)، ﴿وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ﴾ بالخيانة والخداع والغش