ويفهم من معاني الآية أيضا أن إلقاء السلام قد يكون إلقاء للسلم وإيذانا بعدم الحرب وقد تبين من الآيات (٨٦، ٩٠، ٩١) النهي عن قتل الذين يعتزلون القتال ويكفّون أيديهم ويلقون السلم إلى المسلمين، أي إن كفرهم وحده ليس موجبا لقتلهم وقتالهم إذا سالموا، وفي السنة النبوية نلاحظ أنّ حروب النبي ﷺ كانت كلها دفاعية في أهدافها ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ لا ينبغي أن يكون قتالكم لأطماع دنيوية، ولا يصح استخدام الدين ذريعة لنهب غير المسلمين ﴿فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ وهو ما يجب أن يكون هدفكم من ثواب الله ورزقه وفضله ﴿كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ أي قبل الإسلام كنتم كفارا مثلهم، أو كنتم طلاب دنيا تطمعون بها فقط ﴿فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ﴾ بالهداية إلى الإسلام ﴿فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ كونوا على بيّنة من الأمر، ولا تبنوا على الظن، فالله تعالى خبير بنياتكم وأعمالكم.
٩٥ - بعد أن حثّت الآية (٨٤)﴾ على القتال دفاعا عن حرية الدين، وبيّنت الآيات التي تلتها آداب القتال وأحكامه، تنتقل هذه الآية لبيان من يعذر عن الجهاد: ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهم ذوو المواقف السلبية، القاعدون عن الجهاد بمعناه العام ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ غير العجزة عن الجهاد كالمريض والأعمى والمقعد ﴿وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ القاعدون عن الجهاد بلا عذر ليسوا متساوين بالفضل عند الله مع المجاهدين بأموالهم وأنفسهم ﴿فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ فضّلهم بدرجة العمل لأن الإيمان يجب أن يرافقه العمل ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى﴾ الله تعالى وعد الحسنى للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم