للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقطع التالي من السورة ينتقل من العهد الخاص المأخوذ على بني إسرائيل، إلى العهد العام المأخوذ على البشرية قاطبة:

﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ﴾ (١٧٢)

١٧٢ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أي واذكر أيها الرسول ما أخذه الله تعالى من ميثاق الفطرة على الناس عامة، إذ يأخذ الذريّة من الأصلاب قبل ولادتها ويودع فيها فطرة الإسلام وغريزة الإيمان، فجعل ذلك من المدارك الضرورية في عقول البشر ابتداء ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾ المعنى أنه تعالى أوجد في النفوس فطرة الإيمان، وأنّ الإقرار لله تعالى بالربوبية وبالتوحيد مغروس في الاستعداد والفطرة مسبقا ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ﴾ أي أوجدنا فيكم هذا الاستعداد المسبق للتوحيد، منعا لاعتذاركم يوم القيامة أنكم كنتم غافلين عن التوحيد وعن الربوبية، والمعنى أن الاعتذار بالجهل لا يكون مقبولا يوم القيامة، وفي الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة» وهو مطابق لهذه الآية، والآية أيضا تفيد حرية الخيار لبني آدم في اتباع الفطرة أو مخالفتها.

وفي ذلك يقول الكاتب السويسري الشهير فريذهوف شون Frithhof Schuon " إن الحقيقة منقوشة منذ الأزل في ذواتنا، وما يفعله الوحي أنه يبلور أو ينشّط بدرجات متفاوتة حسب الحالة، نواة من المفاهيم اليقينية الكامنة في جوهر الفرد، كما هي كامنة في كل مجموعة عرقية، وفي كل مجتمع في التاريخ، وفي الجنس البشري ككل".

ولهذا السبب سمّي القرآن ذكرا لأنه يذكّر الإنسان بالعهد الفطري المأخوذ عليه، ومنه قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر ١٧/ ٥٤]، وكذا كل وحي نزل على الأنبياء كما في الآيات (٦٣ و ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>