للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبار ﴿وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها﴾ لا يسمعون الآيات والمواعظ سماع تأمّل وتفكّر موضوعي، بل يسمعون سماع جهل أو تعصب وتحيز مسبق، أو يسمعون مجرّد سماع حسّي بلا فهم، والخلاصة أنهم لا يستخدمون ملكاتهم العقلية فيما يفيدهم ﴿أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ﴾ لأن الأنعام تجري وراء الغرائز والحاجات الطبيعية فقط، وليست في خيار أخلاقي بين الخير والشر، والصواب والخطأ ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ لأن لدى الإنسان من المقدرة على التفكير المجرد، والتمييز بين الخير والشر، ما ليس للحيوانات ﴿أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾ الكاملون في الغفلة، أو المستحقون حقّا لصفة الغفلة، لأنهم غافلون عن الحقيقة رغم مقدرتهم على الإحاطة بها والعمل بموجبها، وغافلون عن ذكر الله تعالى وعن دعائه بأسمائه الحسنى، وذلك من فساد الفطرة وإهمال مواهبها من العقل والحواس، بل إن بعضهم يلحد في أسمائه تعالى كما سيرد في الآية التالية:

﴿وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١٨٠)

١٨٠ - ﴿وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾ الحسنى مؤنث أحسن، ومعنى الآية يفيد الحصر، أي إن الأسماء الحسنى ليست إلا لله تعالى فقط وليست لغيره، وهي جميع الأسماء الدالّة على الكمال وأحسن المعاني والصفات، وروى الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي قال: "إن لله تسعة وتسعين إسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"، وفي سرد الأسماء اختلاف في الروايات، وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء الحسنى أو أنها أكثر من ذلك، والجمهور على أنه ليس في الحديث ما يدل على أنه ليس لله تعالى إلا هذه الأسماء، وإنما معنى الحديث أن من أحصاها دخل الجنة، والمتبادر أن ليس المقصود مجرد الإحصاء العددي لها، وإنما التفكر بمدلولاتها وعدم الغفلة عنها بما يؤدي إلى الإيمان والعمل ﴿فَادْعُوهُ بِها﴾ نادوه بها، في الذكر والثناء والدعاء، كي لا تكونوا من الغافلين المذكورين آنفا ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ﴾ دعوهم ولا تبالوا بهم، ومعنى الإلحاد في اللغة الميل والانحراف عن

<<  <  ج: ص:  >  >>