﴿وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾ خلق جميع الأكوان منقادة خاضعة لأمره ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ فهو تعالى الخالق، والمدبّر المتصرّف بخلقه ﴿تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ قال الرازي: للبركة تفسيران: أحدهما البقاء والثبات، والثاني كثرة الخيرات والآثار الفاضلة، وكلاهما لا يليق إلاّ بالحق سبحانه.
﴿اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (٥٥)
٥٥ - بعد أن بيّن تعالى التوحيد، وأنه المتفرّد بالخلق والأمر، أمر عباده أن يدعوه مخلصين متذللين فقال عزّ شأنه: ﴿اُدْعُوا رَبَّكُمْ﴾ المراد من الدعاء السؤال والطلب، والدعاء العبادة لقوله ﷺ:«الدعاء هو العبادة»، أي هو الركن الأعظم في العبادة، على نحو "الحج عرفة"، لأن الداعي يكون مدركا ضعفه وعجزه ونقصه، ويعلم أنه تعالى متصف بالقدرة والكمال وأنه يسمع الدعاء ويستجيب، فالدعاء لذلك من أعظم العبادات ﴿تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ التضرّع الابتهال وقيل هو الخشوع والاستكانة، وخفية أي في السر، والمعنى ادعوا ربّكم متضرعين مبتهلين، ومسرّين في الخفاء، والأولى بالعبادة إخفاؤها صونا لصاحبها عن الرياء، وحفظا لعمله من البطلان، وقيل إذا بلغ صاحبها درجة من الصفاء وقوة اليقين بحيث يأمن على نفسه من الرياء كان الأولى إظهارها لتحصل فائدة إقتداء الغير به ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ في الدعاء، والمعنى تحريم دعاء غير الله تعالى، ومن دعا غير الله فقد أشرك، وقالوا أيضا إن رفع الصوت بالدعاء وترك التضرع، من الاعتداء المنهي عنه في الآية.
٥٦ - ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ أي بعد أن كانت صالحة كما خلقها تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة ٧/ ٣٢]، وإصلاحها الأعظم كان ببعث الرسل وختمهم بالنبي ﷺ لهداية الناس وإصلاح عقائدهم وأخلاقهم وانحرافاتهم، فلا تفسدوا في الأرض بالتخريب وبالظلم وبالخروج