٧٣ - بعد الدعوة الفكرية والعملية في الآيتين (٧٠ - ٧١) ختمها ببيان أن الخلق ليس عبثا:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ أي لتحقيق غرض محدد متوافق مع آياته وسننه المطّردة وحكمته البالغة، فكل شيء في الخلق ذو مغزى ومعنى، ولا يوجد شيء عبثا أو نتيجة الصدفة، ونظيره قوله تعالى: ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ﴾ [آل عمران: ٣/ ١٩١]، ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ أي قوله الحق يوم يقول للشيء كن فيكون، لا مردّ لقوله وأمره، فتتحقق مشيئته على أحسن نظام وعدل، فلا يكون في الإمكان أبدع ممّا كان ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ فيحاسب الناس بأعمالهم، حيث يكون له الملك وحده دون غيره يوم القيامة، ويزول ملك الناس الباطل الذي كان في الدنيا ﴿عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ﴾ عالم بما غاب عن حس البشر وأذهانهم، كما هو عالم بما هو ضمن المشاهد والمدركات ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ حكيم فيما خلق، خبير فيه.
٧٤ - بعد أن أمرت الآية (٧٠)﴾ النبي ﷺ خاصة - والمسلمين عموما - تذكير الكفار والمشركين، وبيّنت لهم كيف يكون ذلك:(الآيات ٧١ - ٧٣)، ضرب تعالى مثلا بطريقة إبراهيم في تذكير أبيه وتذكير قومه ومحاجتهم:
﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ولد إبراهيم في مدينة أور في بابل - منتصف المسافة تقريبا بين بغداد والبصرة اليوم - وبدأت بعثته على الأغلب خلال الفترة ما بين عامي ٢١٠٠ - ٢٠٠٠ ق. م. وهي الحقبة الأخيرة من حكم السومريين في بلاد ما بين النهرين، أي قبل بداية عصر حمورابي والحكم البابلي بحوالي ٣٠٠ عام، وقد دخل إبراهيم المعبد ذات مرة وحطم الأصنام، وبذلك كان النموذج الأول لحفيده