للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يرجّح أفرادها مصالحهم الشخصية الضيقة على الإيمان والعمل، يؤول مصيرها إلى الانحطاط والانحلال والزوال ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ الذين اختاروا الخروج عن دائرة الإيمان، لأن سنته تعالى في أمثالهم أن يكونوا محرومين من هداية الفطرة التي يستطيعون التوصل إليها بالعقل السليم.

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ (٢٥)

٢٥ - بعد الآية السابقة، ضرب تعالى مثلا بوقعة حنين حيث لم تنفع المؤمنين كثرتهم ولا عشيرتهم ولا أموالهم، لولا نصر الله لهم، وكانت تلك المرة الأولى التي تفوّق فيها المسلمون على عدوهم بكثرة العدد، ولكن هذه الميزة في ذاتها كانت وبالا عليهم، قال الرازي إن في ذلك دليلا على أنّ الإنسان متى اعتمد على الدنيا فقط فاته الدين والدنيا:

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ المواطن جمع موطن، والمقصود بها مواقع الحرب التي انتصر فيها المسلمون، قيل إن عددها بلغ حينئذ ثمانين غزوة وسريّة، منها سبع وعشرون غزوة كان النبيّ على رأسها ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ ونصركم يوم حنين أيضا، وهو إسم واد بين مكة والطائف، ذلك أنّ النبي بعد أن فتح مكة دون قتال في رمضان من العام ٨ للهجرة، وأقام بها نحو نصف شهر، بلغه أن قبائل هوازن وبني ثقيف جمعت قواها في أربعة آلاف رجل يريدون قتاله، وقد خرجوا إليه وأحضروا معهم نساءهم وأبناءهم ومواشيهم وأموالهم لأجل أن يثبتوا في القتال ولا يفرّوا، فتوجّه إليهم النبي من مكة في أواخر رمضان وقيل بل في أوائل شوال، ومعه من العسكر اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من الذين حضروا معه فتح مكة، وألفان من الطلقاء حديثي العهد بالإسلام ثم كان وجود هذين الألفين سببا في اختلال صفوف المسلمين ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ أعجب المسلمون بكثرتهم العددية واستخفّهم شعور الثقة حتى جانبوا الحذر، فوقعوا في كمين نصبه لهم المشركون في شعاب الوادي

<<  <  ج: ص:  >  >>