﴿بدليل آيات الخلق في كل شيء التي تشير، لكل عاقل، إلى وجود سلطة خالقة واعية تنزّل الرسالات الروحية على البشر: ﴿إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاِخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (٣ - ٥)
فمعجزة الإتقان في خلق البشر والحيوان والأفلاك يستحيل أن تكون مصادفة، كما يستحيل أن تكون عبثا بل هنالك مغزى منها وهي دليل على الحق، وقد أشار إليها وبيّنها القرآن، فماذا يريدون أكثر من ذلك كي يؤمنوا: ﴿تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (٦)
لكنّ الذين اعتادوا الكذب على أنفسهم استكبروا وصمّوا آذانهم عن الرسالة، فالاستكبار سبب لانحراف العقول - الإفك -: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ (٧ - ٨)، وشبيه بذلك قوله تعالى: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات ٩/ ٥١].
وحتى لو علم المستكبر من الآيات ما لا سبيل إلى إنكاره فهو يلجأ إلى الهزء والسخرية تهربا من الحقيقة وتمسّكا بالدنيا: ﴿وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اِتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ (٩)
ثم يؤول مصير أمثاله إلى جهنم، فلا يفيدهم ما كسبوا في دنياهم من المادة، ولا تنفعهم القيم الزائفة التي اعتقدوها، ولا السلطة التي طالما ركضوا وراءها، ولا الجاه ولا الثروات التي جمعوها، بل على النقيض تكون مصدر عذاب عظيم لهم: ﴿مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠)﴾ وحتى أعمالهم الحسنة تذهب هباء، انظر آية [النور ٣٩/ ٢٤].