﴿إِلَيْكَ﴾ لا تعلمه إلاّ عن طريق الوحي ﴿وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ اختصم الكهنة على كفالة مريم فلم يتفقوا على كفالة زكريا لها إلاّ بعد القرعة، ومن العبر في القصة أنّ أمّيا نشأ بين أميين يخبر اليهود والنصارى عن أخبار الغيب من قصة مريم وزكريا ويحيى مما لم يكن ممكنا له ولا لقومه أن يعلموه، وقد سمع كفار قريش بهذه القصة فلم يقل أحد منهم أنه على علم بها.
إنّ قصص الأنبياء تعتبر من دلائل النبوّة التي اشتمل عليها القرآن الكريم مع كون النبي أميا لم يتعلم، فهذه القصص دليل على صحة نفسها، وأمّا ما جاء فيها مخالفا لما في الكتب السابقة فيعتبر مصحّحا للأخطاء والتحريف والحذف مما دخل عليها، وهنالك عبرة أخرى موجهة للنصارى ممن يعتقدون بألوهية المسيح بسبب ولادته المعجزة، وهي أن الولادة المعجزة لم تقتصر على المسيح وإنما ولادة يحيى كانت أيضا بمعجزة.
٤٥ - ﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ تقدير الخطاب:«يبشّرك بمولود يولد بكلمة منه» وهو تفسير قوله تعالى: ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ (٣٩)﴾، والكلمة هي (كن) كما في قوله ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٣٦/ ٨٢]، ﴿اِسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾ وهو لقب الملوك عند اليهود لأنّ الكهنة كانوا يمسحونهم بالزيت عند تكريسهم لمناصبهم ﴿عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ﴾ نسبه تعالى إلى مريم إعلاما لها على ولادته من غير أب ﴿وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ وجاهته في الدنيا بسبب بعثته النبوية ومنزلته العظيمة في نفوس المؤمنين في كل العصور، وفي الآخرة ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ يوم القيامة، كما في قوله تعالى: ﴿وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: