أنهم يترددون في الضلال والحيرة ويبتكرون لأنفسهم من النظريات وأفكار الضلال، وتفيد الآية أيضا أن هذه النتيجة مترتّبة على طغيانهم في الباطل وفي الكفر والشرور.
١٨٧ - ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ﴾ وهذا من جملة طغيانهم المشار إليه آنفا أنهم يسألون عن موعد قيام الساعة، ضلالا أو تشكيكا بها ﴿أَيّانَ مُرْساها﴾ أي متى تثبت القيامة وتحدث؟ لأن الإرساء هو الثبات، ومنه إرساء السفينة ﴿قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ﴾ علمها لا ينال الرسل والمخلوقات، ولا يقدر على إظهار وقتها المحدد إلاّ الله تعالى ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وقعها ثقيل على أهل السماوات والأرض لأن فيها هلاكهم وحسابهم، وهو ثقيل على القلوب، ولو علموا موعدها سلفا لاضطربت أمورهم ولكان علمها ثقيلا عليهم ﴿لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً﴾ فلا تمهل، ويفوت أوان التوبة والإصلاح ﴿يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها﴾ كأنك أكثرت السؤال عنها وبالغت في طلب علمها، لأن الإحفاء هو الإلحاح والإلحاف في السؤال ﴿قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ﴾ وحده، لاقتضاء الحكمة ذلك ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ لا يعلمون الحكمة من إخفائها، أو يتخبطون في طلب موعدها، أو حسابه بزعمهم.
وهذه الآية نافية للروايات عن الفتن وأشراط الساعة وإماراتها، وما في تلك الروايات من المشكلات والتعارض، فالآية تحدد أن الساعة لا تأتي إلاّ بغتة، وأنهم يسألون الرسول كأنه حفيّ عنها، في حين أن الأشراط الكبرى الخارقة للعادة المذكورة في الروايات تضع الناس في مأمن من قيام الساعة بغتة قبل حدوث الأشراط كلها، فهم ينتظرون قبلها ظهور المسيح الدجال، والمهدي،