للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٥ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ﴾ الذين تركوا مراكزهم في القتال يوم أحد، وهم بعض الرماة، وآخرون انهزموا عندما فاجأهم المشركون من خلفهم، فمنهم من دخل المدينة ومنهم من أصعد في شعب الوادي، والأكثرون منهم نزلوا عند الجبل ﴿إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾ بعض ما كسبوا هو الفرار عن القتال، فذلك الزلل الذي وقع منهم، والمعنى أن الزلل هو نتيجة ما كسب الإنسان من عمل، أي إنّ استزلال الشيطان للإنسان هو نتيجة للخيار الحرّ الذي يتّخذه المرء عندما يواجه أزمة أخلاقية معينة، فيختار ما يبدو له الأسهل أو الأنفع أو الأقرب وصولا إلى اللذة، بدلا من اختيار الأصلح ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ﴾ عفا تعالى عن عقوبتهم في الآخرة بعدما عاقبهم في الدنيا بالهزيمة تربية لهم وتمحيصا ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ غفور للتائبين، وحليم لا يعجّل بالعقوبة.

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (١٥٦)

١٥٦ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا﴾ ضربوا في الأرض أي خرجوا لسفر بعيد، والغزّى هم الغزاة القاصدين قتال العدوّ، والمقصود بإخوانهم أي إخوانهم في النسب أو القربى أو الجنس، والمعنى أنّ البعض قالوا عن إخوانهم الذين خرجوا لسفر بعيد أو للغزو: لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا وما قتلوا، مما يدلّ أنّ إخوانهم كانوا ميتين أو مقتولين وقت هذا القول، فقرن تعالى هذا القول بالكفر كونه لا يجب أن يصدر عن مؤمن، لأن الإيمان ليس مجرّد الإقرار باللسان، وقد أرشدت هذه السورة بالآية (١٤٥)﴾ أنّ الآجال محددة، كما أنّ قول (لو) عبث لا طائل منه والحسرة على ما فات لا تفيد، ويحتمل المعنى أيضا أنّ الكفار كانوا يقولون للمؤمنين، أو لبعضهم بعضا،

<<  <  ج: ص:  >  >>