١٧٨ - ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ استمرار الخطاب من الآية السابقة، ونملي لهم أي نمهلهم ونؤخّرهم، فبعد أن بيّن الله تعالى الحقيقة للناس من خلال الأنبياء والوحي وأعطاهم حرية الخيار كي يعمل كلّ إنسان ما يشاء بحسب استعداده، أمهلهم كي تكون لهم فرصة التوبة، فلا يحسب من أصرّ على الكفر أن الإمهال خير له وتأييد لضلاله، إلاّ إذا اغتنم فرصة التوبة: ﴿إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً﴾ أي تكون نتيجة إمهال المصرّين على الكفر أنهم يرتكبون المزيد من الآثام، فلا يتوبون ولا يبصرون الحقيقة ولا يذعنون لها ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لإصرارهم على الكفر.
١٧٩ - ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ المعنى لم يكن الله ليدع المؤمنين - أو من لديه استعداد للإيمان - على ما هم عليه من الضلالة والشرك ﴿حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ حتى يبعث الله الرسل فيظهر من عنده استعداد للإيمان منكم فينقذه من الضلال ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ فلا ينزّل الوحي على كلّ فرد منكم ﴿وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ﴾ يختار من يشاء من رسله فيطلعهم على بعض الغيب ويوحي إلى الناس عن طريقهم ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ﴾ فالمطلوب منكم أن تؤمنوا بالله ورسله لأن الوحي يأتي عن طريقهم ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا﴾ إن تؤمنوا بالوحي الذي نزل على الرسل ﴿وَتَتَّقُوا﴾ وتتقوا المعصية ﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ وهو غاية ما يطمح إليه العاقل باعتبار هذه الحياة الفانية.