﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ ومن رحمته تعالى أنه يجمع الناس إلى المحشر يوم القيامة ليقيم الميزان فيثيب المحسن ويجازي المسيء ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ ومن رحمته تعالى أن جعل عباده على بيّنة من الحشر كي لا يرتابوا فيه، ممّا ينفي الظلم والفوضى والإهمال في الحياة الدنيا ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ هم الذين خسروا أنفسهم بخداعها، وبالمكابرة والعناد وبالجحود والعصبية والتقليد وإنكار القرآن، فهم لذلك لا يؤمنون، وأيضا الذين خسروا أنفسهم بالتهالك على الحياة الدنيا فهم لا يؤمنون حقيقة، وإنما إيمانهم مجرد طقوس وعبادات لا يتجاوزونها إلى الأعمال.
﴿وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (١٣)
١٣ - ﴿وَلَهُ ما سَكَنَ﴾ من المخلوقات ﴿فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ وهو عطف على الآية السابقة أي له ما في السماوات والأرض، وله ما سكن في الليل والنهار ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يسمع دعاء عباده، ويعلم أحوالهم، فهو وحده المستحق للعبادة، وفي الحديث:«الدعاء هو العبادة».
١٤ - ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ أي معبودا - في هذا المعنى - ﴿فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي مبدعهما، والفطر هو الشقّ، فيقال فطره فانفطر أي انشقّ، وتفطّر أي تشقّق، والفطر أيضا الابتداء والابتداع، ونظرية العلماء اليوم أن الكون انفطر من كتلة صغيرة جدا كحجم الذرة، ذات كثافة لا متناهية، فكانت بداية الكون بما يسمونه الانفطار الكبير - الانفجار الكبير - Big Bang الذي لا يزال الكون بنتيجته يتسع حتى الآن ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ﴾ المغزى أن الذين تتخذونهم أولياء من دون الله، كالزعماء والطواغيت، يعتمدون عليكم في رزقهم، ومعاشهم من كدّكم وشقائكم، في حين أن خالق السماوات والأرض هو وحده الذي يطعمكم ويرزقكم، ولا يحتاج إليكم.