للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمرّسوا فيه، ومرنوا عليه، وأصبحوا فيه مهرة وأتقنوه، وصار نفاقهم أملس حيث يخفى أمرهم على الناس، وأيضا صاروا به مردة عتاة ﴿لا تَعْلَمُهُمْ﴾ بفطنتك وصدق فراستك أيها النبي، لشدة ما حذقوا في النفاق والتقية، بحيث يخفى عليك أمرهم رغم كمال فطنتك وصدق فراستك ﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ لا يعلم سرائرهم إلاّ من لا تخفى عليه خافية، فهم في ستر الله تعالى إلى أن يكشفهم للناس وينجز ما أوعدهم من العذاب: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ﴾ في الحياة الدنيا ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ كتب الشيخ رشيد رضا: المرة الأولى بما يصيبهم من المصائب، وبعذاب نفوسهم القلقة الخائفة من افتضاح أمرهم وهتك أسرارهم، والثانية: آلام الموت لأمثالهم وزهوق أنفسهم وهم كافرون وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند موتهم [الأنفال ٥٠/ ٨]، ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ﴾ يوم القيامة ﴿إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ﴾ لأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار [النساء ١٤٥/ ٤].

﴿وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (١٠٢)

١٠٢ - ﴿وَآخَرُونَ﴾ ممّن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة، لا هم من السابقين الأولين ولا من الذين اتبعوهم بإحسان (الآية ١٠٠)، ولا هم من المنافقين الذين مردوا على النفاق (الآية ١٠١)، بل هم جماعة غلب عليهم الإهمال: ﴿اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ هم من المؤمنين المذنبين المقرّين بذنوبهم، ولم يعتذروا عن تخلفهم بأعذار باطلة كغيرهم ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً﴾ من أعمال البر والإحسان والجهاد في غزوات سابقة ﴿وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ بتخاذلهم وبتخلفهم عن غزوة تبوك ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ فيقبل توبتهم، إن تابوا وندموا ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ كثير المغفرة للتائبين، رحيم بالمحسنين، ومغزى الآية غير مقتصر على غزوة تبوك، بل يتناول المسلمين في كل الأزمنة الذين يخلطون الأعمال الصالحة والأعمال السيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>