١١٧ - استمرار المعنى من الآية السابقة أنه تعالى لا يهلك المجتمعات لكفرها، ولكن يهلكها لانتشار الفساد فيها: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى﴾ المجتمعات ﴿بِظُلْمٍ﴾ منها، والمعنى أنه تعالى لا يهلك المجتمعات لمجرد انتشار الشرك فيها ﴿وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ فيما بينهم، يتعاطون الحق، أي إذا كان الظلم فيهم مقتصرا على الشرك، دون الفساد والبغي في المعاملات بينهم، فإنه تعالى لا يهلكهم ولو كانوا على الشرك، وذلك لفرط رحمته تعالى بهم ومسامحته حقوقه، أما حقوق العباد فيما بينهم فلا تساهل فيها.
وفي الآية دليل على إنّ الأقوام البائدة المذكورة في السورة جمعت إلى شركها، أو كفرها، فسادا وبغيا في مجتمعاتها، ومن سننه تعالى في المجتمعات البشرية أنها تدوم مع الكفر، ولا تدوم مع الفساد والبغي.
١١٨ - تتمة الخطاب من الآيات (١١٦ - ١١٧): ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ﴾ أيها الرسول الحريص على إيمان الناس، ومن ثمّ الخطاب لكل مسلم ﴿لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً﴾ على دين واحد، بمقتضى الغريزة، فلا يكون لهم رأي ولا اختيار، فيكونون كالملائكة مفطورين على اعتقاد الحق وعلى طاعة الله، فلا يقع اختلاف بينهم، ولكنه بمقتضى حكمته ﷿ خلقهم مختارين، لا مضطرين ولا مجبرين، كاسبين للعلم، لا ملهمين، وعاملين بالاختيار الذي هو أساس التكليف، وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وفي كسب العلم وفي الاختيار ﴿وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في كل شيء، وتلك سنته تعالى في البشر، أن يختلفوا في الأخلاق، وفي الأفعال، وفي الأديان والشرائع، بعضهم على الحق، وبعضهم على الباطل، متنازعين في المصالح والمنافع.