كالملائكة لا استعداد في فطرتهم لغير الإيمان، والمعنى أنه سبحانه لا يشاء ذلك لكونه مخالفا للحكمة التي عليها أساس التكوين والتشريع، فاقتضت حكمته تعالى أن يخلق الإنسان مختارا مستعدّا بفطرته للإيمان والكفر، فما دام خلق الإنسان على هذه الفطرة فمن باب أولى ألاّ يجوز للبشر إكراه الآخرين على الإيمان: ﴿أَفَأَنْتَ﴾ أيها الإنسان ﴿تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ الإكراه مناف للحكمة من فطرة الناس على حرية الخيار، والمعنى أيضا أنّ الإكراه غير ممكن وغير مستطاع عدا كونه لا يصح، وهو ليس من وظائف الرسالة التي بعث بها النبي ﷺ، وقد أجمعوا أنّ إيمان المكره باطل لا يصح.
١٠٠ - ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ﴾ في استقلالها في أفعالها وحرية خيارها بين الحق والباطل ﴿أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ فهي مختارة في دائرة الأسباب والمسبّبات، ولكنها غير مستقلة في خيارها أتم الاستقلال بل مقيّدة بنظام السنن الإلهية والأقدار، فالمنفي هنا استطاعة الخروج عن هذا النظام العام ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ﴾ وهو الخبث المعنوي المتصف به الكفر ﴿عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ أي الذين لا يستخدمون ملكاتهم العقلية في أفضل ما هي مستعدّة لها من معرفة الله ووحدانيته وعبادته، وفي التفكر بالرسالات السماوية والآيات الكونية - المشار إليها في الآية التالية - يصبحون ضحية للقيم الزائفة،
١٠١ - ﴿قُلِ اُنْظُرُوا﴾ بأبصاركم وبصائركم ﴿ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من آيات بيّنات باهرات دالّة على وحدة النظام الكوني وعلى وحدانيته تعالى وألوهيته وربوبيته ﴿وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ العبارة تحتمل صيغة الاستفهام أو صيغة النفي، والمعنى أن المصرّين على عدم الإيمان بإغلاق عقولهم على ما بها من مكابرة وغطرسة لا تنفعهم الآيات والنذر، انظر آية [النساء ١٥٥/ ٤].