١٣٥ - ﴿وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا﴾ أي من دون حاجة لاتباع بعثة خاتم الأنبياء والرسل بزعمهم، مع أنّ الطقوس والأنظمة المعقدة التي تتصف بها اليهودية اليوم لم تظهر سوى في القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد أي بعد موسى ﵇ بحوالي ستة قرون، أما المسيحية بمعتقداتها ومبادئها اللاهوتية التي نعرفها اليوم فقد تجسّدت على يدي شخصين مختلفين في عصرين مختلفين، الأول بولس، حوالي الفترة ٥٥ - ٦٥ م، الذي ابتدع عقيدة جديدة نسبها للمسيح، والثاني الإمبراطور الوثني قسطنطين بعد عيسى المسيح بأكثر من ثلاثة قرون، وقد قرر ألوهية المسيح في المجمع المسكوني الأول عام ٣٢٥ م، ولذا ينشأ السؤال تلقائيا: لو كانت هداية الناس متوقفة على اتباع اليهودية أو المسيحية فماذا يمكن القول عن إبراهيم وباقي الأنبياء ﵈، الذين يعترف بهم اليهود والنصارى، وقد جاءوا قبل اليهودية والنصرانية بعدة قرون؟ والمغزى أنّ استقامة الإنسان لا تتوقف على كونه يهوديا أو نصرانيا حسب مصطلحهم، ولكنها تتوقف على اتباع الحقيقة الأزلية التي اهتدى بها الناس على مرّ العصور ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الحنيف من فعل حنف أي مال إلى الطريق الصحيح، وترك ما كان عليه أهل عصره من الضلال والشرك، وأطلق على إبراهيم لأنّ الناس في أيامه كانوا على طريقة واحدة هي الكفر فخالفهم، وهذه العبارة ذات دلالة توحيدية قبل البعثة النبوية إذ اتصف بها الأشخاص الذين زهدوا عن مادية الدنيا وانصرفوا عن عبادة الأصنام.