للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحال يكون معنى ﴿فَاصْبِرُوا﴾ أي دعوا المؤمنين على حالهم، ولا تكرهوا غيركم على عقيدتكم، واتركوا الناس أحرارا تختار ما تراه صالحا لأن الأصل في الأمور حرية العقيدة، وإن كنتم تعتقدون أنكم على حق فإنه لا يصح إلا الصحيح.

ويحتمل المعنى أيضا أن شعيبا التفت بالخطاب إلى القلة المؤمنين من أتباعه فنصحهم بالصبر وتحمل التضحيات والمشاق حتى يجيء أمر الله ﴿حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ وحكم الله قد يجيء في زمانهم، أو بعدهم بجيل أو بأجيال، بتطور منطق الأحداث، وحكمه تعالى يكون بحسب سننه في خلقه بأن ينصر من الناس من هم أقرب إلى العدل والإصلاح في الأرض، وهو خير الحاكمين لأن حكمه الحق.

﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ﴾ (٨٨)

٨٨ - ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا﴾ على النقيض من حرية العقيدة التي دعاهم إليها شعيب في الآية السابقة فإنهم مصرّون على الإكراه، والنتيجة أن الدعوة والنصح والنقاش الموضوعي والمنطق الحسن لم ينفع مع المستكبرين من كبار القوم، ولم يقبلوا هذا الأسلوب، فبدلا من الاستجابة لعرض التسامح وحرية الفكر الذي قدّمه شعيب لهم، هدّدوه بإخراجه ومن معه من مجتمعهم إن لم يلتزموا بالملّة التي ورثوها عن آبائهم وهي الشرك ﴿قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ﴾ أي كيف يجوز إكراه البشر على ملّة أو عقيدة لا يؤمنون بها؟ فإنّ الله تعالى قد خصّ بني آدم بالتكريم لجهة حرية الفكر والخيار.

﴿قَدِ اِفْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>