١ - ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ خلق تعالى الناس كلّهم فذلك مدعاة لتقواه من قبل المخلوقين ومدعاة لتجنب عصيانه في التشريعات التي سوف يرد ذكرها في هذه السورة وغيرها ﴿مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ البشر كلهم مخلوقون من أنفس متماثلة فهي بالتالي نفس واحدة وهي المشار إليها بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً،﴾ ﴿وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها﴾ الزوج في اللغة يطلق على الجنسين فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، والمعنى أنه تعالى خلق زوجها من جنسها، وهو قول أبي مسلم الأصفهاني ذكره الرازي، وذلك شبيه بقوله تعالى: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً﴾ [النحل: ١٦/ ٧٢]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ٣/ ١٦٤]، وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٣٠/ ٢٠]، فالجميع مخلوقون من التراب الذي تتحلل إليه كافة المواد العضوية.
﴿وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً﴾ نشر تعالى الخلق من الذكر والأنثى، واختصّ تعالى الرجال والنساء والزوج أو الزوجة بالذكر لأن محور السورة يدور حول التشريع العائلي ﴿وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ﴾ لأن العرب كانوا يسأل بعضهم بعضا باسم الله، كقول أحدهم لغيره: أسألك بالله أن تعطيني حقّي ﴿وَالْأَرْحامَ﴾ أي واتقوا حقوق الأرحام فأعطوها ولا تقطعوها، وذلك بأن يكون المرء بارّا مع أرحامه محسنا إليهم، وفي الحديث:«أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم»، أخرجه ابن ماجه عن