للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (١٦)

١٦ - ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى﴾ اختاروا الضلالة وتخلّوا عن الهدى ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ﴾ كأنّ رأس مالهم العقل الرشيد والفطرة السليمة فتخلّوا عنهما ﴿وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ لم يبق لديهم ما يوصلهم إلى إدراك الحق والاهتداء إلى العقائد الصحيحة.

﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ (١٧)

١٧ - ﴿مَثَلُهُمْ﴾ مثل المنافقين ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ ناراً﴾ وهو الباحث عن بغيته يريد أن يستنير ويبحث عن الطريق الصحيح ولكنه يتخبط في بحثه ﴿فَلَمّا أَضاءَتْ﴾ أنوار الرسالة الإسلامية ﴿ما حَوْلَهُ﴾ وأصبح ممكنا تمييز الحق من الباطل، والصواب من الخطأ ﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾ لم يدرك المنافقون أهمية الهدي الإلهي، فلم يستفيدوا من نور الإسلام وهديه، واختاروا البقاء في ظلمة النفاق ظنّا منهم أن يأمنوا على أنفسهم من المؤمنين،

وقد يكون المعنى أيضا أن حبل النفاق قصير، لأن المنافق إذا نجح بنتيجة نفاقه يكون كمن: ﴿اِسْتَوْقَدَ ناراً﴾ ثمّ سرعان ما ينكشف أمره بين الناس: ﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾ فيتخبّط بلا جدوى.

والآية أيضا مثل لمن يبحث عن مغزى الحياة ليصل إلى هدفه منها فلمّا تبين له طريق الهدى أعرض عنه، أما قوله تعالى ﴿ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾ أي ذهب بنور بصيرتهم، وخسروا نور الإيمان، فليس المعنى أنهم لم يكونوا مسؤولين عن بقائهم في الظلام، فقد اختاروا اتباع الأهواء الدنيوية، وأنكروا الحق فعميت بصيرتهم، فالله تعالى يمكّن الناس من اختيار ما يشاؤون، والقسر ينافي التكليف ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ﴾ في ظلمات الجهل والهوى والشرك والضلال ﴿لا يُبْصِرُونَ﴾ الحقيقة، بمحض اختيارهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>