﴿ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ سبب الاختلاف هو البغي، أي التعدّي والاستطالة على الحق من قبل البعض ﴿فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾ الذين كانوا يبحثون عن الحقيقة من منفتحي الذهن اهتدوا بهدي الله، بعد الاختلاف مع غيرهم ﴿بِإِذْنِهِ﴾ الاختلاف بين أتباع الحق وأتباع الباطل بإذن الله، لأنه تعالى كرّم الإنسان بحرية الخيار، انظر آيات [هود/ ١١٨ - ١١٩]، فالخلاف من الطبيعة البشرية التي جبل الناس عليها، ولو شاء تعالى لخلقهم جميعا بلا هوى أو شهوة أو غواية، ولكنه بحكمته وتكريمه بني آدم قضى أن يكون الانسان موكولا إلى فكره وحرية خياره ﴿وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ يوفق من يشاء الهداية إلى الطريق المستقيم.
٢١٤ - ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ الخطاب استمرار لقوله تعالى إنّه يهدي من يشاء الهداية إلى صراط مستقيم، والآية تضيف أنّ الهداية ليست مجرّد قناعة معرفية تكفي صاحبها لدخول الجنة، بل يلزم أن يرافقها الاستعداد للتضحية وتحمّل المشاقّ في سبيلها، مثلما تحملها المؤمنون من الأمم الماضية ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرّاءُ﴾ البأساء هي الشدّة التي تصيب الإنسان كخسارة المال والإخراج من الديار وتهديد الأمن، والضرّاء هي ما يصيبه من المرض أو الجرح أو القتل ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ اضطربوا اضطرابا شديدا بما أصابهم من الشدائد، حتى أشرفوا على الزلل ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ﴾ لشدة ما أصابهم الهول، وطول أمده، كادوا يفقدون الأمل فاستعجلوا الفرج بقولهم ﴿مَتى نَصْرُ اللهِ﴾ فأجابهم تعالى