١٩٩ - ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ بعد أن ذكر تعالى تقلب الذين كفروا في البلاد، وأن مصيرهم إلى العقاب، بيّن في هذه الآية أن من أهل الكتاب من يؤمن بما أنزل على النبي ﷺ، ويؤمن بما أنزل على الأنبياء من قبله، وهم الخاشعون منهم لأنّ خشوعهم يمنعهم من المعاندة والمكابرة كما لا يمنّون أنفسهم بالتوهّم أنّ هنالك من تحمّل عنهم خطاياهم سلفا بالنيابة عنهم، انظر شرح الآية (١٨٧)، ولذلك فإنهم لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، فلا تقف في طريقهم المصالح والزعامات الدنيوية، ولا يهيمن على فكرهم الشعور بالعصبية والتقليد، وهم أيضا من أولي الألباب الذين تقدم ذكرهم في الآية (١٩٠)﴾ فنراهم من خيار أهل الكتاب علما وبصيرة، ولعل ذلك سبب قلّتهم، وقد دخل الكثير منهم الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام وغيرها، ولا يزالون في كل زمان ومكان وهذا من قبيل إخبار الآية بالغيب ﴿أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ لأن الموت أسرع وأقرب بعيد، وليس بين المرء والحساب إلا أن يموت، فإذا مات لم يجد أمامه إلا عمله فيحاسب به.