اتقوا، إذا مسّهم مثل هذا الطائف من شياطين الإنس والجن، تذكّروا فإذا هم مبصرون غير غافلين عن مواطن الخطأ، فلا يستجيبون للاستفزاز ولا يغضبون، ولا يقصرون عن عمل الخير في كل الأحوال، وهذا واجب المسلمين عامة والدعاة خاصة، فيكون تقدير الخطاب: ومع أن إخوانهم يمدونهم في الغي فهم لا يقصرون في عمل الخير، وقوله ﴿ثُمَّ﴾ أي بعد أن صاروا مبصرين.
٢٠٣ - ﴿وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ﴾ إن لم تأت لهم، أيها الرسول، بالمعجزات المادية الخارقة التي يطلبون، أو لم تأت لهم بآيات من الوحي، حسبما يقترحون، وفي الوقت الذي يريدون ﴿قالُوا لَوْلا اِجْتَبَيْتَها﴾ قالوا لم لا يجيء بها إن كان رسولا حقّا، وهو قول المشكّكين في الرسالة، وقد يكون هذا قولهم مدة فتور الوحي الذي استمر ثلاث سنوات، وهذا من جملة إمداد الشياطين لهم بالغيّ كما هو مذكور آنفا ﴿قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي﴾ أي أنني مجرد بشر عاجز مثلكم، وإنّما أبلّغكم الوحي عن ربّي، وليس لي أن أبدّله أو أجتبيه من تلقاء نفسي ﴿هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ هذا القرآن المعجز بمنزلة بصائر للعقول، وحجج بيّنة لمن يستخدم ملكة الفكر والعقل، وفي الآية إشارة أنّ ذوي العقلية البدائية في جميع الأزمنة - يصرّون لإثبات النبوّة على مشاهدة معجزات مادية يلمسونها بحواسّهم، عوضا عن تقويم الرسالة من حيث مضمونها وجدارتها ﴿وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ القرآن هدى ورحمة للذين يختارون الإيمان.
٢٠٤ - ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ استمرار الخطاب من الآية السابقة، أي بما أن القرآن بصائر للعقول، وهدى ورحمة للمؤمنين، فاستمعوا لما فيه من الحجج البيّنات، استماع تفهّم وتفكّر، واعملوا بموجبها، فالاستماع بهذا المعنى يكون مجازا، أي ليس مجرّد السماع الحسّي بالأذنين، والخطاب