٨٩ - ﴿قَدِ اِفْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ﴾ المعنى أن الدخول في ملّتكم يقتضي منّا أن نكذب على أنفسنا ونشرك بالله ما لم ينزّل به سلطانا ﴿بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها﴾ بعد أن أوضح لنا تعالى بطلان ملّتكم، وأنزل علينا الوحي والبيّنات والدلائل ﴿وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها﴾ إن كنّا صادقين مع أنفسنا، بعد كل هذه الدلائل، وفي ذلك إشارة للآية (٣٧)، ﴿إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا﴾ بعد النفي القاطع لاحتمال دخوله ومن معه في ملّتهم، ردّ الأمر إلى المشيئة الإلهية وهي في علم الغيب، وليس المعنى أنه تعالى قد يشاء أو يريد ذلك منه، وإنما ذلك تواضع من شعيب وإقرار بضعف الإنسان تجاه المشيئة المطلقة ﴿وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ تمجيد له تعالى لانفراده بعلم الغيب ﴿عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا﴾ بعد أن استنفد شعيب كل الأسباب في إقناع قومه، وبعد إصرارهم على الكفر، وتهديدهم له وللمؤمنين معه بالإخراج أو العودة في ملتهم، كان التوكل على الله الملاذ الأخير لشعيب والمؤمنين معه ﴿رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ﴾ إعراض تام عن مفاوضتهم بعدما ظهر له من مكابرتهم وجحودهم، والاستفتاح هو الاستنصار، فهو يرجو الفتح من الله كي يظهر الحق من الباطل ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾ تمجيد له تعالى.
٩٠ - ﴿وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ بعد أن يئس الملأ من استجابة شعيب لهم، التفتوا بالخطاب إلى المؤمنين من جماعته، فأنذروهم أنهم سيخسرون مكانتهم ومعيشتهم وأرزاقهم في المجتمع إن هم أصرّوا على اتّباع شعيب، والمعنى أنهم لم يكتفوا بإصرارهم على الضلال، بل تجاوزوه لمحاولة إضلال المؤمنين وحرمان شعيب من مؤيديه، وهو السهم الأخير الذي حاولوه، ويفيد انقطاع الرجاء والأمل من إيمانهم بشعيب، وانتهاء فترة الإمهال والتوبة لهم، ويلاحظ روعة الإيجاز وتسلسل الحوار الفكري بين شعيب ومناوئيه.