١٦٤ - ﴿وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ﴾ وهي طائفة منهم يبدو أنها لم تشترك في انتهاك حرمة السبت، ولكنها في نفس الوقت لم تعترض ولم تلم الآخرين عليه، وخطابها موجّه إلى طائفة أخرى من الصالحين الذين ألزموا أنفسهم بالوقوف في وجه الخطأ والوعظ ضدّه، وقد سبقت الإشارة إلى أمثال هؤلاء في الآية (١٥٩)، ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ أي ما الجدوى من الوعظ لأمثال هؤلاء الناس المصمّمين على المعصية، فإن مصيرهم الهلاك، والوعظ لا ينفع فيهم ﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً﴾ لتماديهم في الشرّ ﴿قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ﴾ أي حتى نعتذر إلى ربّنا بأننا لم نسكت على المنكر، وهو جواب الطائفة الأخرى، والسكوت على المنكر يقارب القبول به، ويلحظ أنه في إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين نوع من التعريض بالسائلين ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ سوء العاقبة، أي لعلّ الذكرى تفيدهم أو تفيد بعضهم، فإنّنا نطمع في ذلك ولا نقطع الأمل منه، وهذه الآية ذات مغزى خاص لكل المؤمنين في كل الأزمنة.
١٦٥ - ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ﴾ تركوا ما ذكّرهم به صلحاؤهم، لأن النسيان بهذا المعنى مجاز عن الترك ويشمل عدم المبالاة ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ أي أنجينا الذين ينهون عن العمل الذي تسوء عاقبته ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ﴾ شديد يسبب البؤس ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ بسبب فسقهم المستمر، ولم تذكر الآية مصير الذين تساءلوا عن جدوى الوعظ والتذكير والنهي عن السوء، وسكتوا عن الخطأ، ولعلهم من أصحاب الأعراف المشار إليهم في الآية (٤٦)﴾، إذ كانوا على معرفة بالحق والباطل فلم يفعلوا شيئا للنهي عن الفساد.