يصدّق من الناس ما يعقل وما لا يعقل، وكلمة ﴿أُذُنٌ﴾ للمبالغة في الوصف كأنه كله أذن سامعة، كقولهم عن الجاسوس عين ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ أي إنّ استماعه لكم واكتفاءه بالظاهر من أقوالكم، دون التنقيب عن أحوالكم، هو خير لكم، فهو يقبل أعذاركم، ويتغاضى عن جهالاتكم، ولا يحرجكم بالمبالغة في كشف أستاركم، ولا ينقّب عن بواطنكم، ولا يكشف سوء نواياكم، كل ذلك خير ورحمة لكم، فكيف جعلتم هذه الصفة الحميدة طعنا وذمّا في حقه؟ لعلّهم جهلوا أو تجاهلوا أنّ قاعدة الشريعة الحكم على الظاهر وأنّ الله تعالى يتولى السرائر، فظنّوا أنه يصدّق كل ما يقال له ﴿يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾ يقينا ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لا يكذبهم ﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ الذين أظهروا الإيمان منكم، حيث يقبل كلامهم لا تصديقا لهم، ولكن رحمة بهم وإمهالا لهم ورفقا بهم وسترا لعيوبهم، على أمل أن يتوب منهم من لديه استعداد للإيمان ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ﴾ بالافتراء عليه ﴿لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة.
٦٢ - ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ﴾ تنبيه للمؤمنين على سمة أخرى من سمات المنافقين، أنهم يسارعون لحلف الأيمان الكاذبة في محاولة لإرضاء المؤمنين والظهور أمامهم على غير حقيقتهم ﴿وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ بأن يكونوا صادقين في إيمانهم وأقوالهم وأفعالهم ﴿إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ إيمان اليقين، ولكنهم على النقيض من ذلك فإنهم يشترون رضا الناس بسخط الله.
٦٣ - ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ آن لهم أن يعلموا بعد طول مكث النبي ﷺ بينهم أنّ عواقب عملهم ستكون وخيمة عليهم: ﴿أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ من يخالف أمر الله ورسوله، لأنّ المحادّة من الحد أو الطرف، ويحادد يكون على الحد