البحر، فصار أعلى منهم، كأنّه الجبال، أو كأنه ظلال الموت وهم مشرفون على الغرق ﴿دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ اضطرّوا لدعائه تعالى وحده، لما دهاهم من الخوف الشديد، بعد أن زال عنهم ما ينازع الفطرة السليمة من الهوى والتقليد ﴿فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾ انقسموا فريقين: ﴿فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ منهم من سلك طريق القصد، أي الطريق المستقيم، وهو طريق التوحيد بلا منازع وطريق العمل الصالح، ويحتمل المعنى أيضا أنّه عاد مقتصدا في سلوكه فهو مذبذب بين الإيمان والكفر، أو بين الإيمان والشرك، ومنهم الجاحد: ﴿وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا﴾ ينكرها استكبارا ومكابرة مع علمه بصحتها ﴿إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ﴾ غدّار شديد الغدر، لأنه لا يصبر على العهد الذي قطعه على نفسه في محنته، فينقضه، ﴿كَفُورٍ﴾ مبالغ في كفران نعمه تعالى، وهذا المعنى ينطبق على كل من يقع في الشدائد، وليس مقتصرا على ركّاب السفن في البحر، ولا غيرها من وسائل المواصلات.
٣٣ - ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ اثبتوا على الإيمان، ولا تكونوا كالمذبذبين بين الإيمان والشرك، ولا كالجاحدين الذين ينكصون إلى الكفر بعد أن نجّاهم الله تعالى من الشدائد، وكلا الفريقين مشار إليهما بالآية المتقدّمة ﴿وَاِخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً﴾ عملا بالقاعدة القرآنية: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام ١٦٤/ ٦]، ﴿إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ لا بدّ من تحقّقه لا محالة ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ من متاع لا يلبث أن يزول بحلول الأجل، ومن لذّات فانية مؤقتة ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ الغرور كل ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وهو من قبيل الضلالات التي تزيّن للمرء عمله السيّئ، وتمنّيه بالجنة والمغفرة رغم