للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختيار بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، فهو لذلك غالبا ما يخطئ ويرتكب الآثام، ومع ذلك فهو خاضع لسنة الله في خلقه لجهة السبب والمسبّب، لقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ﴾ [الرعد ١٥/ ١٣]،

﴿وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (٥١)

٥١ - بعد أن ذكرت الآية (٢) إنذار الوحي للناس أن لا إله إلاّ الله، والآيات (١٦) و (٢٠) أن الآلهة المزعومة لا تقدر على شيء من الخلق، تضرب هذه الآية مثلا بعقيدة المثنوية:

﴿وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ﴾ كما هي الحال في العقيدة الزرادشتية عند الفرس الذين كانوا يعتقدون بثنائية الآلهة: إله النور: أهورا مازدا، وإله الظلام أهريمان، وفي هذه الآية من الإعجاز، لأن عقيدة المثنوية لم تكن معروفة في جزيرة العرب وقت البعثة النبوية، ولم يطلع عليها العرب إلا بعد الفتوحات ﴿إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ﴾ لا إله إلاّ هو ﴿فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ﴾ الله وحده يستحق الطاعة والرهبة، بخلاف الآلهة الخيالية المزعومة التي لا تقدر على شيء، والآيات التالية (٥٢ - ٦١) تحشد البراهين على ذلك:

﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ﴾ (٥٢)

٥٢ - ﴿وَلَهُ﴾ وحده ﴿ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ كل مخلوق معتمد عليه بالكلية ﴿وَلَهُ الدِّينُ واصِباً﴾ أي دائما، ويقال واظب على الشيء وواصب عليه أي داوم، والدين بمعنى الانقياد ﴿أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ﴾ لأن الآلهة الوهمية في منتهى العجز،

﴿وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ﴾ (٥٣)

٥٣ - ﴿وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ وحده ﴿ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ من مرض أو بلاء ﴿فَإِلَيْهِ﴾ وحده ﴿تَجْئَرُونَ﴾ تتضرّعون إليه بالدعاء، وتنسون ما تشركون،

<<  <  ج: ص:  >  >>