للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (٥٤)

٥٤ - ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ﴾ بأن كذّبت الرسول والوحي، وهو المعنى العام للآيات السابقة ﴿ما فِي الْأَرْضِ﴾ ملكا من الأموال والخيرات قاطبة ﴿لافْتَدَتْ بِهِ﴾ يوم القيامة، أي ودّت لو تجعله فدية لها من العذاب وقتئذ ﴿وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ﴾ إسرار الندامة معناه أنهم وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم لهول ما رأوا من العذاب، ومعناه أيضا أنّ الندم لا ينفع بعد انكشاف حجب الغيب ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ بينهم وبين الرسل والمؤمنين، وكذلك بينهم وبين من ظلموهم من المرؤوسين الضعفاء ممّن كانوا يصدونهم عن الإيمان، لأن هذا هو ظاهر السياق ﴿بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بل ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم من الأتباع والمقلّدين، وهم لا يظلمون أيضا لأنه لا يحيق بهم إلا ما اقتضاه استعدادهم، وقد جاء قوله تعالى ﴿وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ﴾ و ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ على لفظ الماضي مع أنّ القيامة من أمور المستقبل، وذلك لتحقق وقوعها لا محالة، فجعل تعالى مستقبلها كالماضي، ومن ذلك قوله تعالى ﴿اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَاِنْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر ١/ ٥٤].

﴿أَلا إِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٥٥)

٥٥ - ﴿أَلا إِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ مزيد من التأكيد على مقدرته تعالى على إنفاذ حكمه بالعدل، وأنّ الظالمين لا يعجزونه، وفي قوله تعالى ﴿السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ إشارة إلى جميع العوالم: السماوات بصيغة الجمع لأنها إشارة إلى الكون كلّه شاملا بلايين المجرّات والنجوم والكواكب ممّا لا حصر له، والأرض بصيغة المفرد وهي الكرة الأرضية التي نعيش عليها، ولا يمنع ذلك أنّ الأرضين كثيرة بدليل قوله تعالى ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢/ ٦٥]، وسبب ذكرها بالمفرد لأن باقي الأرضين مشمولة في تعبير

<<  <  ج: ص:  >  >>