إخراج الطبقة الحاكمة من مصر، وهو ما تخوّف منه، والنتيجة أنّ فرعون وملأه لم يحاولوا فهم وتقويم دعوة موسى من حيث جدارتها وقيمتها الحقيقية، بل فكّروا بمنظار الحكم والاستبداد، فلم يروا في دعوة موسى سوى تهديد لزعاماتهم ومراكزهم ﴿فَماذا تَأْمُرُونَ﴾ فرعون وملأه تشاوروا وقالوا لبعضهم البعض ماذا تشيرون؟ قال الزمخشري: تآمر القوم وأتمروا مثل تشاوروا، ويحتمل أن يكون هذا قول فرعون لحاشيته بمعنى ماذا تشيرون عليّ؟ وبعد أن توصل الجمع إلى الرأي وجهوا اقتراحهم إلى فرعون قائلين:
١١١ - ﴿قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ﴾ أي أرجئه، وأرجئ أخاه، والإرجاء هو التأخير، فالمعنى أخّر أمرهما ولا تفصل به الآن ﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ أرسل من أعوانك في مدائن ملكك، يجمعون لك من السحرة.
﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾ (١١٢)
١١٢ - ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾ ممّا يدل أن السحرة في ذلك الزمن كانوا كثيرين، وأن فرعون كان يعتمد عليهم في تضليل الجماهير، وقد أراد أن يحشر تجاه موسى كل ساحر عليم بلا استثناء ليضمن أن تكون له الغلبة، وقد ورد الكثير من الإسرائيليات عن عدد السحرة الفعلي مما هو واضح بطلانه، ولا جدوى ولا فائدة من تتبعه ولا معرفته.
١١٣ - ﴿وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ﴾ بعد أن تم جمعهم وحشرهم عنده ﴿قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ﴾ وهو دليل أن فرعون وملأه كانوا في حالة من الذعر والارتباك جعلت السحرة يتجرؤون ويفرضون شروطهم في طلب الأجر في حال تمكنوا من التغلب على موسى، وتفيد الآية من جهة ثانية أن السحر ليس سوى تمويه واحتيال ولا ينطوي على أي فعل حقيقي، فلو لم يكن