﴿وقد غشي السدرة ما يغشى من الجلال والهيبة والروعة ما لا يمكن لوصف أن يعبّر عنه أو يحيط به: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ (١٦)
ولم يكن هنالك من زيغ في بصر النبي إذ لم ينحرف عن حقيقة ما رآه، ولا طغى عن الواقع فما زاد عليه: ﴿ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى﴾ (١٧)
فرأى النبي ﷺ بعضا من آيات ربه: ﴿لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى﴾ (١٨) بمعنى أنه لم يرها جميعا تأكيدا لما سبق ذكره بالآية (١٠)
ومن قمة الحقائق الغيبية السامية التي رآها الرسول ﷺ ابتداء من نزول الوحي القرآني عليه في غار حراء ثم ما شاهده ليلة المعراج، تنتقل السورة فتقارن ذلك مع حضيض الأوهام والرموز الزائفة التي كان يتعلق بها مشركو مكة كأصنام اللات والعزّى ومناة التي زعموا أنها والملائكة بنات الله ونسبوا إليها قدرات إلهية مزعومة: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى * وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى﴾ (١٩ - ٢٠)
وهذا الزعم من طرفهم في منتهى السخافة والتناقض، إذ هم يحتقرون الأناث ويئدون البنات ثم ينسبون إلى الله تعالى ما يكرهون: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ (٢١ - ٢٢) أي قسمة جائرة،
كما أن أصنامهم في منتهى العجز فهي لا تعدو كونها أسماء فارغة، وعلى النقيض من الهدى اليقيني الذي جاءهم به الرسول، فإنهم من قبيل الظنّ يعتقدون أن الأصنام تقربهم إلى الله زلفى: ﴿إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى﴾ (٢٣)
ومن قبيل التمنّي أيضا يظنون أنّ أوثانهم تشفع لهم عند الله تعالى: ﴿أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنّى (٢٤)﴾