النظر عن قصة شعيب بالذات مع قومه، وبعبارة أخرى أنه لا يمكن للمرء أن يكون تقيا مع الخالق دون أن يكون تقيا مع إخوانه من بني البشر ﴿إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ﴾ بما أفاض الله تعالى عليكم من نعمه ظاهرة وباطنة ﴿وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ﴾ إن عصيتم ﴿عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ يحيط عذابه بكم فلا تنفكّون عنه في الدنيا أو الآخرة، أو كليهما.
٨٥ - ﴿وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ﴾ أي بالعدل، فبعد أن نهاهم عن نقص المكيال والميزان، أمرهم بالوفاء به بالعدل، تأكيدا لأهمية الناحية الأخلاقية في رسالته ﴿وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ في كل شيء، وفي كل الأمور، ماديا ومعنويا، وليس فقط في المكيال والميزان، والبخس هو النقص والعيب في الحقوق المادية والمعنوية ﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ لا تفسدوا في الأرض بقصد الفساد، ولا تفسدوا دنياكم وآخرتكم.
٨٦ - ﴿بَقِيَّتُ اللهِ﴾ ثواب التقوى والعمل الصالح عند الله ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من الفساد والإفساد، وما يبقى لكم من الربح الحلال بعد الوفاء بالحقوق، خير مما تأخذونه بالحرام والظلم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالله تعالى ﴿وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ فأحفظكم من هذه المعاصي أو أعاقبكم عليها، وإنما بعثت مبلّغا نذيرا.
﴿قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (٨٧)
٨٧ - ﴿قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ من الأصنام والأوثان، لأنهم متمسكون بمحض التقليد وبما توارثوه عن آبائهم من الشرك ﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا﴾ من استغلال وربا واحتيال، وهو حجر على حريتنا، وتحكّم في ذكائنا وفي طريقة استخدام أموالنا ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾