ذلك أن المشركين بعد أن صاروا في طريق عودتهم إلى مكة، أفاقوا من ذهولهم وندموا على انسحابهم فقال بعضهم لبعض: ما صنعنا شيئا، تركناهم ونحن الغالبون، ارجعوا حتى نستأصلهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم وصرفهم عن الرجوع، روى البخاري وأحمد عن النبي ﷺ أنه قال:
«نصرت بالرعب مسيرة شهر».
﴿بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً﴾ السلطان بمعنى الحجّة والبرهان، أي إن سبب إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا هو أنهم أشركوا بالله معبودات لا يقوم لها برهان من العقل ولا من الوحي ﴿وَمَأْواهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ﴾ وهو مصيرهم في الآخرة،
وإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا ليس مقتصرا على ما وقع في أحد، فهو عام لكل المناسبات والأوقات لأن العبر القرآنية منطبقة على كل الأزمان والأحوال، وهذه الآية استمرار لما قبلها بقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ * بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ﴾ فيكون إلقاء الرعب في قلوب ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مرتبطا بتحقيق المعنى الفعلي للفظ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي الذين آمنوا إيمانا يقينيا ليس باللسان فقط، ولكن بما يترتب على ذلك من العمل وبذل الجهد والنفس والمال، ثم ضرب تعالى للمؤمنين مثلا بأحداث وقعة أحد فقال عزّ من قائل:
١٥٢ - ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ﴾ بالنصر على عدوكم ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ تحسّونهم أي تقتلونهم قتلا كثيرا وذلك في بداية المعركة، وحسّه أي ذهب بحسّه من القتل، وقد صدق تعالى المؤمنين وعده الذي جاء على لسان نبيّه