للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكثرية لا تقرّ بالنعم ولا تؤدي حقها، لأنّها تظن أنّما حصلت على هذه النعم باستحقاقها وجدارتها لا غير، والشكر يكون بالعبادة والعمل معا، ومن الشكر استخدام النعم باعتدال وتعقل، بما لا ينعكس سلبا على الإنسان وعلى بيئته.

﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ (١١)

١١ - هذه الآية بداية لقصة الخلق تأتي بعد مقدمة الآيات (١ - ١٠)، لبيان استعداد الإنسان للخير والشر، وقد تكررت قصة الخلق في القرآن الكريم في سبع سور هي: (البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه، ص)، في كل سورة منها تعرض القصة من زاوية مختلفة، وتبدي حكمة أو حكم معينة، ومغزى جديد أو أكثر، وفي هذه السورة تأتي القصة بعد بيان نعمه تعالى على البشر: كإنزال الوحي، ومسؤولية الإنسان، وجعل أسباب المعيشة والتمكين له في الأرض، ومع ذلك فالأكثرية لا تشكر النعم، لأنّ وساوس الشيطان تحرفها عن الصراط (الآية ١٦)، ومن تمام نعمه تعالى على الإنسان أن علّمه الأسماء كلها [البقرة ٣١/ ٢] وأسجد له الملائكة، وكرّمه بالحرية والعقل، وأمكنه من الخيار بين الخير والشر:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ يلاحظ الترتيب في الخطاب: الخلق ثم التصوير، يشير من جهة إلى خلق الجنس البشري عامّة وتطوره أولا من سلالة من طين، لقوله جلّ ثناؤه ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر ٢٦/ ١٥] أي من الطين المتولّد من الطين الأسود المتغيّر على مرّ السنين، وقوله عزّ من قائل ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون ١٢/ ٢٣]، وثانيا نلاحظ الإشارة إلى تطور خلق الإنسان الفرد، عندما يخلق نطفة في رحم أمّه ثم يتطوّر إلى صورته الكاملة: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ [المؤمنون ١٤/ ٢٣]،

<<  <  ج: ص:  >  >>