٣٥ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ﴾ اتصال المعنى بما قبله ذو مغزى، أي لا تكونوا أيها المؤمنون كاليهود الذين يحاربون الله ورسله ويسعون في الأرض فسادا، ويحفزهم الحسد، ويغترّون بدينهم ويزعمون أنهم أبناء الله وأحبّاؤه، فحوّلوا دينهم إلى جنسية عصبية، فاعتبروا بعاقبة اليهود من قبلكم، وعليكم بتقوى الله ﴿وَاِبْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ الوسيلة ما يتوسّل به إلى المقصود، والمعنى توسّلوا إلى مرضاته تعالى بالعلم والعبادة والعمل واتباع مقاصد الشريعة ﴿وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الجهاد من الجهد وهو المشقة والتعب، والمعنى أن التقوى وابتغاء الوسيلة إلى مرضاته تعالى تحتاج أن يجاهد المرء نفسه، عدا عن مجاهدته أعداء الدين بالحجة والإقناع، والدفاع عن دار الإسلام.
٣٦ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الإشارة إلى اليهود وغيرهم ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ بعد أن حثّ تعالى المؤمنين على التقوى وابتغاء الوسيلة إليه والجهاد في سبيله، أوضح لهم في هذه الآية أن لا يغتروا بما عند الكفار من الغنى وأملاك الدنيا، لأنها على كثرتها لن تنفعهم في الآخرة ﴿ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ﴾ لأنّ فترة الاختبار والتكليف في الحياة الدنيا قد فاتتهم، بعد أن كان لهم فيها حرية الخيار، فبعد أن تكشف الحجب يوم القيامة، وتظهر الحقيقة جليّة، لا تنفعهم شفاعة الشافعين، ولا ما خلّفوا في دنياهم من المادة ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ النتيجة الطبيعية لمنكري الحقيقة ومعاندي الفطرة.