للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محور السورة]

يبدو محور السورة واضحا في الآية الأولى منها: ﴿المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (١)، فهي تركّز على حقيقة الوحدانية ومباديء الأخلاق الأساسية المتضمنة في الوحي السماوي الذي نزل على البشر متتاليا عبر الرسل،

وتحشد السورة البراهين على الغيب، وتخاطب العقل الإنساني فتحضه على إدراك الحقيقة بشكل مستقل وتبين أن سبب كفر الكفار أنهم مكبّلون بأغلال التقليد: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنّا تُراباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ﴾ (٥)، ولأن: ﴿اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (١١)، سوى أنه في نهاية المطاف لا بد من ظهور الحق وزوال الباطل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (١٧)،

وأن المشيئة الإلهية اقتضت أن يكون الناس أحرارا في خيارهم فلا يجبرهم تعالى على الهدى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً﴾ (٣١)، غير أنه لا يمكن لأحد أن يهمل أو يتجاهل الوحي دون أن يتحمل النتائج الطبيعية التي تترتب على مثل هذا الإهمال والإصرار على الكفر: ﴿وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ (٣١)،

فالمشركون في حالة من العجز الفكري إذ يؤمنون بالوهم: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ (٣٣)، لكن الذين أوتوا فهم الكتاب من ذوي الإدراك السليم والفكر المستقل يفرحون بما نزل من القرآن الكريم إذ يغربل الصحيح من الزائف في الكتب السابقة:

﴿وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ (٣٦)، وأن كل رسالة

<<  <  ج: ص:  >  >>