شهور السنة، وحرمة أربعة منها ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي هذا هو الشرع الصحيح، المستقيم، الدائم ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ بانتهاك حرمتها، والمقصود تحريم النسيء، أي تحريم التلاعب بأوقات الشهور كما سيرد في الآية التالية، لأنهم كانوا يجعلون بعض الأشهر الحرم حلالا، وبعض الأشهر الحلال حرما، لكي تناسب أوقات مصالحهم ومواسمهم من تجارة وحج، ولتوافق أهواءهم في العدوان وشن الغارات واستمرار الحروب، والضمير في قوله ﴿فِيهِنَّ﴾ عائد للشهور القمرية الاثني عشر، والأربعة الحرم منها خاصة ﴿وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ وهو تحليل قتال المشركين في الأشهر الحرم إن كانوا البادئين بالقتال، راجع آية [البقرة ٢١٧/ ٢]، ﴿كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ تعاونوا وتناصروا عليهم ولا تتفرّقوا ﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتّقون الظلم والعدوان والفساد، ويتّقون التنازع والفرقة والتخاذل، ويتّقون مخالفة سننه تعالى في الأسباب والمسببات.
﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾ (٣٧)
٣٧ - ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ﴾ النسيء هو التأخير، والمقصود به تأخير حرمة شهر إلى آخر، لأن العرب في الجاهلية كانوا إذا جاء شهر حرام، وهم محاربون، أو على أهبة الحرب يريدون الإغارة والعدوان، أحلّوه وحرّموا مكانه شهرا غيره، كأن يحلّوا المحرّم ويحرّموا صفرا، فإن احتاجوا أيضا أحلّوا صفرا وحرّموا ربيعا الأول وهكذا إلى أن ينتهوا من الغرض الذي من أجله لجؤوا إلى النسيء، وقد يدور التحريم على مدار العام، وربّما زادوا في عدد شهور العام بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت ويضمّنوا في سنتهم المصطنعة أربعة أشهر حرم، ولذا قال تعالى ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اِثْنا عَشَرَ شَهْراً﴾، وبنفس الطريقة كانوا يتلاعبون بشهر الحج كي يلائم مواسم التجارة لديهم أو يلائم المناخ ﴿زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ أي إنّما ذلك التأخير زيادة في الكفر الذي هم