سورتي البقرة وآل عمران متكاملتان تتمّم إحداهما الأخرى، فبعدما تبدأ سورة البقرة بوصف أصناف ثلاثة من الناس: المؤمنين، والمصرين على الكفر، والمنافقين، آيات [البقرة ٢/ ١ - ٢٠]، وتصف خلافة بني آدم في الأرض، وتفضيلهم بالعلم، وأنّ الإنسان في صراع ضد عناصر الشر، آيات [البقرة: ٢/ ٣٠ - ٣٩]، وبعد أن تدعو بني إسرائيل إلى الإسلام وتسرد تاريخهم وارتكاسهم المتكرر إلى الوثنية، آيات [البقرة: ٢/ ٤٠ - ١٠٥]، تكمل سورة آل عمران بتعداد جرائم اليهود وعنادهم وقتلهم الأنبياء وغرورهم، ثم تذكر انتقال النبوة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، آيات [آل عمران: ٣/ ٢١ - ٢٧].
وتنسخ سورة البقرة الشرائع السابقة بشريعة الإسلام، وتدحض عقائد اليهود والنصارى، آيات [البقرة: ٢/ ١٠٦ - ١٤١]، وتقرر عودة القبلة إلى مكة، علامة من علامات انتقال النبوة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل بعد أن رفض بنو إسرائيل آخر أنبيائهم عيسى المسيح ﵇، آيات [البقرة: ٢/ ١٤٢ - ١٥٢]، وتشرح شعائر الحج، آيات [البقرة: ٢/ ١٩٦ - ٢٠٣]، ثم توضح سورة آل عمران أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة المشرّفة، وتفرض الحج إليه، آيات [آل عمران: ٩٤/ ٣ - ٩٧].
وتوضح سورة آل عمران أن الحكمة الإلهية اقتضت نزع الرسالة من بني إسحاق بعد فساد اليهود المزمن وإيتاء الرسالة بني إسماعيل وختمها ببعثة النبي الأحمد: ﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٣/ ٢٦]، وأن الإسلام دين الأنبياء من الأزل: ﴿ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٣/ ٦٧].