﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ اِنْفِرُوا﴾ للقتال ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ذلك أنّ النبي ﷺ أراد أن يحبط خطة هرقل إمبراطور بيزنطة لمّا بلغه أنه يعدّ العدّة لغزو الحجاز والمدينة، راجع الخلفية التاريخية، فدعا الناس للخروج إلى قتال الروم ولمّا تنقض ستة شهور بعد عودته إلى المدينة من فتح مكة ووقعة حنين، إذ كان من عادته ﷺ أن يأخذ زمام المبادرة، دفاعا لا عدوانا، وإحباطا لخطة الخصم أن يعتدي، فقد كانت حروبه ﷺ كلّها دفاعية ﴿اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ يعني ما لكم تثاقلتم عن الحركة، وتباطأتم عن الإجابة، وملتم إلى الدنيا، ونظيره قوله تعالى ﴿وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الأعراف ١٧٦/ ٧]، ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا﴾ بدلا ﴿مِنَ الْآخِرَةِ﴾ لأن الناس استثقلوا النفير والخروج من المدينة لعدة أسباب، منها شدة الحر في ذلك الوقت من رجب، الموافق تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام، وأيضا كان قد حان وقت قطاف ثمار المدينة، ومسافة السير إلى الروم بعيدة، يضاف إلى كل ذلك أنهم استعظموا غزو الروم وهابوه ﴿فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي﴾ جنب ﴿الْآخِرَةِ﴾ أي بالمقارنة معها ﴿إِلاّ قَلِيلٌ﴾ التمتع بنعيم الدنيا قليل وتافه بالمقارنة مع نعيم الآخرة.
٣٩ - ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ إلاّ: مركّبة من إن الشرطية و ﴿لا﴾ النافية، والمعنى أنّ المؤمنين إن تقاعسوا وتخاذلوا عن النفير إلى حرب الروم، الذي دعاهم إليه النبي ﷺ، نزل بهم العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة، لعصيانهم النبي ﷺ، وهذه القاعدة عامة أنّ الأمم التي تتخاذل عن الجهاد والدفاع عن حقوقها تتعرض للعذاب في الدنيا على أيدي أعدائها ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ لأنه تعالى ينصر دينه على كل حال، إن لم يكن بأيديهم فلا بدّ أن يكون بأيدي غيرهم، وقد شرّفهم تعالى بحمل الرسالة، والمغزى العام أيضا لبيان سننه تعالى في خلقه بأن لا بقاء للأمم التي تتثاقل في الدفاع عن نفسها