للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ﴿ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ استمرار الخطاب من الآيات المتقدّمة، والمعنى لا يمكن للإنسان أن يكون تقيّا وفي الوقت ذاته يتماشى مع رغبات الكفار والمنافقين، وفي العموم ومن الناحية الأخلاقية والمنطقية لا يمكن له، ولا يجب عليه، وليس المتوقع منه، القيام بدورين متناقضين في سلوكه وفي علاقاته مع الآخرين ﴿وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ﴾ هذه الآية أبطلت الظّهار، وهي عادة جائرة كانت عندهم في الجاهلية، وهي أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي، فتطلق منه طلاقا بائنا لا رجعة فيه، وفوق ذلك يمتنع عليها الزواج من غيره، فتبقى حبيسة منزله مدى الحياة ﴿وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ﴾ الذين تدّعونهم وتزعمون أنهم أبناؤكم بالتبنّي، وهذا أيضا إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية وصدر الإسلام في حال تبنّى أحدهم ولد غيره أجريت عليه أحكام الأبناء الحقيقين ﴿ذلِكُمْ﴾ النسب الذي تدّعون ﴿قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ﴾ فهو مجرّد كلام ليس له مصداق واقعي، ولا يتطابق مع حقيقة العلاقات الإنسانية، فهنالك مثلا قيود الزواج التي تنطبق على الأبناء والبنات الحقيقيين، ولا تنطبق على الأبناء والبنات بالتبنّي، انظر مثلاالآية (٣٧)، ﴿وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ بأن يبيّن لكم حقيقة العلاقات البيولوجية بين الآباء والأبناء، بالمقارنة مع العلاقة المصطنعة التي ابتدعتموها بين الآباء والأبناء بالتبنّي ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ سبيل الحق الذي يجب العمل به.

﴿اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (٥)

٥ - ﴿اُدْعُوهُمْ﴾ أي الأولاد بالتبنّي ﴿لِآبائِهِمْ﴾ انسبوهم لآبائهم الحقيقيين ﴿هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ أعدل، لأنه وضع الشيء في موضعه الحقيقي ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ﴾ الحقيقيين ﴿فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ﴾ ليكون واضحا أنهم أولاد بالتبنّي، ولا تعطوا الانطباع في المجتمع أنهم أولادكم الحقيقيين، بل حافظوا على هويتهم الحقيقية، وفي هذه الحالة ادعوهم إخوانا لكم في العقيدة،

<<  <  ج: ص:  >  >>