يخرجهم بتوفيقه من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وهذا بمثابة الدليل على منع الإكراه في الدين، لأن الولاية على العقول والقلوب هي لله وحده ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي الذين اختاروا الكفر وصمّموا عليه ﴿أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ﴾ لأنه لا سلطان على نفوسهم إلا الباطل ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ﴾ من النور الذي منحوه بالفطرة وبالرسالات السماوية إلى الكفر والجهل والانهماك في المادة ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ بما اكتسبوه لأنفسهم من الضلال.
انظروا إلى إبراهيم كيف اهتدى إلى الحجج القيّمة بولاية الله له، وإلى الذي حاجّ إبراهيم كيف تعامى عن نور الحجّة باستسلامه للطاغوت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ قيل هو ملك كلدان في العراق وقت بعثة إبراهيم ﵇ ﴿أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ﴾ أي أنّ إيتاء الله تعالى الملك له حمله على الغرور والمحاجّة، فقد كان نظام حكمه قائما على التفرد والتسلط ﴿إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ حجّة إبراهيم شبيهة بقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة ٢/ ٢٨]، ومغزى قول إبراهيم: أنّ الحياة إنما تكون بإمداد من الله وحده، والموت يكون بسحب هذا المدد منه، وبالتالي ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية إلاّ الله، ولا مستحقّ للطاعة المطلقة إلاّ هو، وبذلك نفى كل ادّعاء للألوهية أو الربوبية عن الملك وغيره، وقد يكون قصد إبراهيم من الإحياء معنى الهداية: كقوله تعالى ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ﴾ [الأنعام ٦/ ١٢٢] فيكون الكفر